فصل: مناسبة الآية لما قبلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وهذا العلم لا يدريه إلا ** نبي أو وصى الأنبياء

ولا أظنها تصح، وقصارى ما أقول: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن لا دخل في ذلك لوقت ولا لغيره، نعم لبعض الأوقات شرف لا ينكر كيوم الجمعة وشهر رمضان وغير ذلك، ولبعضها عكس ذلك كالأوقات التي تكره فيها الصلاة لكن هذا أمر ومحل النزاع أمر فاحفظ ذاك، والله تعالى يتولى هداك، وقوله تعالى: {تَنزِعُ الناس} يجوز أن يكون صفة للريح وأن يكون حالا منها لأنها وصفت فقربت من المعرفة، وجوز أن يكون مستأنفًا، وجيء بالناس دون ضمير عادقيل: ليشمل ذكورهم وإناثهم والنزع القلع، روي أنهم دخلوا الشعاب والحفر وتمسك بعضهم ببعض فقلعتهم الريح وصرعتهم موتى.
{كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ} أي منقلع عن مغارسه ساقط على الأرض، وقيل: شبهوا بأعجاز النخل وهي أصولها بلا فروع لأن الريح كانت تقلع رؤوسهم فتبقى أجسادًا وجثثًا بلا رؤوس، ويزيد هذا التشبيه حسنًا أنهم كانوا ذوي جثث عظام طوال، والنخل اسم جنس يذكر نظرًا للفظ كما هنا ويؤنث نظرًا للمعنى كما في قوله تعالى: {أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} [الحاقة: 2] واعتبار كل في كل من الموضعين للفاصلة، والجملة التشبيهية حال من الناس وهي حال مقدرة، وقال الطبري: في الكلام حذف والتقدير فتركتهم كأنهم الخ، فالكاف على ما في البحر في موضع نصب بالمحذوف وليس بذاك وقرأ أبو نهيك {أعجز} على وزن أفعل نحو ضبع وأضبع، وقوله تعالى: {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ} تهويل لهما وتعجيب من أمرهما بعد بيانهما فليس فيه شائبة تكرار مع ما تقدم، وقيل: إن الأول لما حاق بهم في الدنيا والثاني لما يحيق بهم في الآخرة، و{كَانَ} للمشاكلة، أو للدلالة على تحققه على عادته سبحانه في إخباره، وتعقب بأنه يأباه ترتيب الثاني على العذاب الدنيوي.
{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرءان لِلذّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} الكلام فيه كالذي مرّ. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (18)}.
موقع هذه الجملة كموقع جملة {كذبت قبلهم قوم نوح} [القمر: 9] فكان مقتضى الظاهر أن تعطف عليها، وإنما فصلت عنها ليكون في الكلام تكرير التوبيخ والتهديد والنعي عليهم عقب قوله: {ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر حكمة بالغة فما تغن النذر} [القمر: 4، 5].
ومقام التوبيخ والنعي يقتضي التكرير.
والحكم على عاد بالتكذيب عموم عرفي بناء على أن معظمهم كذبوه وما آمن به إلا نفر قليل قال تعالى: {ولما جاء أمرنا نجينا هودًا والذين آمنوا معه برحمة منا} [هود: 58].
وفرع على التذكير بتكذيب عاد قوله: {فكيف كان عذابي ونذر} قبل أن يذكر في الكلام ما يشعر بأن الله عذبهم فضلًا عن وصف عذابهم.
فالاستفهام مستعمل في التشويق للخبر الوارد بعده وهو مجاز مرسل لأن الاستفهام يستلزم طلب الجواب والجواب يتوقف على صفة العذاب وهي لَمّا تذكر فيحصل الشوق إلى معرفتها وهو أيضًا مكنى به عن تهويل ذلك العذاب.
وفي هذا الاستفهام إجمال لحال العذاب وهو إجمال يزيد التشويق إلى ما يبينه بعده من قوله: {إنا أرسلنا عليهم ريحًا صرصرًا} الآية، ونظيره قوله تعالى: {عم يتساءلون} [النبأ: 1] ثم قوله: {عن النبأ العظيم} [النبأ: 2] الآية.
وعطف {ونذر} على {عذابي} بتقدير مضاف دل عليه المقام، والتقدير: وعاقبة نذري، أي إنذاراتي لهم، أي كيف كان تحقيق الوعيد الذي أنذرهم.
ونُذر: جمع نذير بالمعنى المصدري كما تقدم في أوائل السورة وقد علمت بما ذكرنا أن جملة (فكيف كان عذابي ونذري) هذه ليست تكريرًا لنظيرها السابق في خبر قوم نوح، ولا اللاحق في آخر قصة عاد للاختلاف الذي علمته بين مُفادها ومفاد مماثلتها وإن اتحدت ألفاظهما.
والبليغ يتفطن للتغاير بينهما فيصرفه عن توهم أن تكون هذه تكريرًا فإنه لما لم يسبق وصف عذاب عاد لم يستقم أن يكون قوله: {فكيف كان عذابي} تعجيبًا من حالة عذابهم.
وقوله: {ونذر} موعظة من تحقق وعيد الله إياهم، وقد أشار الفخر إلى هذا وقفينا عليه ببسط وتوجيه.
وأصل السؤال عن تكرير هذه الجملة أثناء قصة عاد هنا أورده في كتاب (درة التنزيل وغرة التأويل) المنسوب إلى الفخر وإلى الراغب إلا أن كلام الفخر في (التفسير) أجدر بالتعويل مما في (درة التنزيل).
وجملة {إنا أرسلنا عليهم ريحًا صرصرًا} الخ بيان للإجمال الذي في قوله: {فكيف كان عذابي ونذر}.
وهو في صورة جواب للاستفهام الصوري.
وكلتا الجملتين يفيد تعريضًا بتهديد المشركين بعذاب على تكذيبهم.
وجملة البيان إنما اتصف حال العذاب دون حال الإِنذار، أو حال رسولهم وهو اكتفاء لأن التكذيب يتضمن مجيء نذير إليهم وفي مفعول {كذبت} المحذوف إشعار برسولهم الذي كذبوه وبعث الرسول وتكذيبهم إياه بتضمن الإِنذار لأنهم لما كذبوه حق عليه إنذارهم.
وتعدية إرسال الريح إلى ضميرهم هي كإسناد التكذيب إليهم بناء على الغالب وقد أنجى الله هودًا والذين معه كما علمت آنفًا أو هو عائد إلى المكذبين بقرينة قوله: {كذبت عاد}.
والصرصر: الشديدة القوية يكون لها صوت، وتقدم في سورة فصّلت.
وأريد بـ {يوم نحس} أول أيام الريح التي أرسلت على عاد إذ كانت سبعة أيام إلا يومًا كما في قوله تعالى: {فأرسلنا عليهم ريحًا صرصرًا في أيام نحسات} في سورة فصّلت (16) وقوله: {سخّرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسومًا} في سورة الحاقة (7).
والنحْس: سوء الحال.
وإضافة {يوم} إلى {نحس} من إضافة الزمان إلى ما يقع فيه كقولهم يوم تحلاق اللمم، ويوم فتح مكة.
وإنما يضاف اليوم إلى النحس باعتبار المنحوس، فهو يوم نحس للمعذبين يوم نصر للمؤمنين ومصائب قوم عند قوم فوائد. وليس في الأيام يوم يوصف بنحس أو بسعد لأن كل يوم تحدث فيه نحوس لقوم وسعود لآخرين، وما يروى من أخبار في تعيين بعض أيام السنة للنحس هو من أغلاط القصاصين فلا يلقي المسلم الحق إليها سمعه.
واشتهر بين كثير من المسلمين التشاؤم بيوم الأربعاء.
وأصل ذلك انجرّ لهم من عقائد مجوس الفرس، ويسمون الأربعاء التي في آخر الشهر (الأربعاء التي لا تدور)، أي لا تعود، أرادوا بهذا الوصف ضبط معنى كونها آخر الشهر لئلا يظن أنه جميع النصف الأخير منه وإلاّ فأيّة مناسبة بين عدم الدوران وبين الشؤم، وما من يوم إلاّ وهو يقع في الأسبوع الأخير من الشهر ولا يدور في ذلك الشهر.
ومن شعر بعض المولدين من الخراسانيين:
لقاؤك للمبكِّر فَألُ سوء ** ووجهك أربعاءُ لا تدور

وانظر ما تقدم في سورة فصّلت.
و {مستمر}: صفة {نحس}، أي نحس دائم عليهم فعُلِم من الاستمرار أنه أبادهم إذ لو نجوا لما كان النحس مستمرًا.
وليس {مستمر} صفة ل {يوم} إذ لا معنى لوصفه بالاستمرار.
والكلام في اشتقاق مستمر تقدم آنفًا عند قوله تعالى: {ويقولوا سحر مستمر} [القمر: 2].
ويجوز أن يكون مشتقًا من مرّ الشيء قاصرًا، إذا كان مُرًّا، والمرارة مستعارة للكراهية والنفرة فهو وصف كاشف لأن النحس مكروه.
والنزع: الإِزالة بعُنف لئلا يبقى اتصال بين المزال وبين ما كان متصلًا به، ومنه نزع الثياب.
والأعجاز جمع عَجُز: وهو أسفل الشيء، وشاع إطلاق العَجُز على آخر الشيء لأنهم يعتبرون الأجسام منتصبة على الأرض فأولاها ما كان إلى السماء وآخرها ما يلي الأرض.
وأطلقت الأعجاز هنا على أصول النخل لأن أصل الشجرة هو في آخرها مما يلي الأرض.
وشبه الناس المطروحون على الأرض بأصول النخيل المقطوعة التي تقلع من منابتها لموتها إذ تزول فروعها ويتحاتّ ورقها فلا تبقى إلا الجذوع الأصلية فلذلك سميت أعجازًا.
و {منقعر}: اسم فاعل انقعر مطاوع قَعره، أي بلغ قَعْره بالحفر يقال: قَعَرَ البئرَ إذا انتهى إلى عمقها، أي كأنهم أعجاز نخل قعرت دواخله وذلك يحصل لعُود النخل إذا طال مكثه مطروحًا.
ومنقعر: وصف النخل، روعي في إفراده وتذكيره صورة لفظ نخل دون عدد مدلوله خلافًا لما في قوله تعالى: {كأنهم أعجاز نخل خاوية} [الحاقة: 7] وقوله: {والنخل ذات الأكمام} [الرحمن: 11].
قال القرطبي: قال أبو بكر ابن الأنباري سئل المبرد بحضرة إسماعيل القاضي عن ألف مسألة من جملتها، قيل له: ما الفرق بين قوله تعالى: {ولسليمان الريح عاصفة} [الأنبياء: 81] و{جاءتها ريح عاصف} [يونس: 22] وقوله: {أعجاز نخل خاوية} [الحاقة: 7] و{أعجاز نخل منقعر}؟ فقال كل ما ورد عليك من هذا الباب فإن شئت رددته إلى اللفظ تذكيرًا أو إلى المعنى تأنيثًا. اهـ.
وجملة {كأنهم أعجاز نخل منقعر} في موضع الحال من {الناس} ووجه الوصف بـ {منقعر} الإِشارة إلى أن الريح صرعتهم صرعًا تفلقت منه بطونهم وتطايرت أمعاؤهم وأفئدتهم فصاروا جثثًا فُرغا.
وهذا تفظيع لحالهم ومثلة لهم لتخويف من يراهم.
{فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (21)}.
تكرير لنظيره السابق عقب قصة قوم نوح لأن مقام التهويل والتهديد يقتضي تكرير ما يفيدهما.
و(كيف) هنا استفهام على حالة العذاب، وهي الحالة الموصوفة في قوله: {إنا أرسلنا عليهم ريحًا صرصرًا} إلى {منقعر} [القمر: 19، 20]، والاستفهام مستعمل في التعجيب.
{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرآن لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (22)}.
تكرير لنظيره السابق في خبر قوم نوح. اهـ.

.تفسير الآيات (23- 32):

قوله تعالى: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23) فَقالوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (24) أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (25) سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (26) إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (27) وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (28) فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ (29) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (30) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (31) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرآن لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (32)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان هذا موضع الإقبال على تدبر مواعظ القرآن، وكان ثمود أعظم وعظ كان بعد عاد لما في صيحتهم الخارجة عن العهود من تصوير الساعة بنفختيها المميتة ثم المحيية، وقال مؤنثًا فعلهم إشارة إلى سفول هممهم وسفول فعلهم معلمًا أن من كذب هلك- على طريق الجواب لمن لعله يقول استبعادًا لتكذيب بعد ما جرى في القصتين الماضيتين من التعذيب: {كذبت ثمود} أي قوم صالح {بالنذر} الإنذارات والمنذرين كلهم لأنهم شرع واحد، ثم علل ذلك وعقبه بقوله معلمًا بالضمير أن المباشر بهذا الكفر رجالهم لئلا يظن أنهم نساء فقط: {فقالوا} منكرين لما جاءهم من الله غاية الإنكار: {أبشرًا} إنكارًا لرسالة هذا النوع ليكون إنكار النبوة إنكارًا لنبوة نبيهم على أبلغ الوجوه، وأعظم الإنكار بقولهم مقدمين عدم الانفراد عنهم لخصوصيته: {منا} أي فلا فضل له علينا فما وجه اختصاصه بذلك من بيننا، وزادوا ذلك تأكيدًا فقالوا: {واحدًا} أي ليس معه من يؤيده، ثم فسر الناصب لقوله: {بشرًا} بقوله: {نتبعه} أي نجاهد نفسنا في خلع مألوفنا وخلاف آبائنا والإقرار على أنفسنا بسخافة العقل والعراقة في الجهل ونحن أشد الناس كثرة وقوة وفهمًا ودراية، ثم استنتجوا عن هذا الإنكار الشديد قولهم مؤكدين الاستشعار بأن كلامهم أهل لأن يكذب: {إنا إذًا} أي إن اتبعناه {لفي ضلال} أي ذهاب عن الصواب محيط بنا {وسعر} أي تكون عاقبتنا في ذلك الضلال الكون في أوائل أمر لا ندري عاقبته، فإنه لم يجرب ولم يختبر ولم يمعن أحد قبلنا سلفًا لنا فيجرنا ذلك إلى جنون وجوع ونار كما يكون من يأتوه في القفار في أنواع من الحر بتوقد حر الجبال وحر الضلال وحر الهموم والأوجال- وذلك من النار التي توعدنا بها، وهو معنى تفسير ابن عباس- رضى الله عنهما- له بالعذاب، وجعل سفيان بن عيينه له جمع سعير، والمعنى إنا نكون إذا اتبعناك كما تقول جامعين بين الضلال والعذاب بسائر أنواعه.
ولما كان فيما قالوه أعظم تكذيب مدلول على صحته في زعمهم بما أمؤوا إليه من كونه آدميًا مثلهم، وهو مع ذلك واحد من أحادهم فليس هو بأمثلهم وهو منفرد فلم يتأيد فكره بفكر غيره حتى يكون موضع الوثوق به، دلوا عليه بأمر آخر ساقوه أيضًا مساق الإنكار، وأموؤا بالإلقاء إلى أنه في إسراعه كأنه سقط من علو فقالوا: {أألقي} أي أنزل بغتة في سرعة لأنه لم يكن عندهم في مضمار هذا الشأن ولم يأتمروا فيه قبل إتيانه به شيء منه بل أتاهم به بغتة في غاية الإسراع.
ولما كان الإلقاء يكون للأجسام غالبًا، فكان لدفع هذا الوهم تقديم النائب عن الفاعل أولى بخلاف ما تقدم في ص فقالوا: {الذكر} أي الوحي الذي يكون به الشرف الأعظم، وعبروا بعلى إشارة إلى أن مثل هذا الذي تقوله لا يقال إلا عن قضاء غالب وأمر قاهر فقال: {عليه} ودلوا على وجه التعجب والإنكار بالاختصاص بقولهم: {من بيننا} أي وبيننا من هو أولى بذلك سنًا وشرفًا ونبلًا.
ولما كان هذا الاستفهام لكونه إنكاريًا بمعنى النفي، أضربوا عنه بقولهم على وجه النتيجة عطفًا على ما أفهمه الاستفهام من نحو: ليس الأمر كما زعم: {بل هو} لما أبديناه من الشبه {كذاب} أي بليغ في الكذب {أشر} أي مرح غلبت عليه البطالة حتى أعجبته نفسه بمرح وتجبر وبطر، ونشط في ذلك حتى صار كالمنشار الذي هو متفرغ للقطع مهيأ له خشن الأمر سيئ الخلق والأثر فهو يريد الترفع.
ولما كان هذا غاية الذم لمن يستحق منهم غاية المدح، أجاب تعالى عنه موعظة لعباده لئلا يتقولوا ما يعلمون بطلانه أو يقولوا ما لا يعلمون صحته بقوله: {سيعلمون} بوعد لا خلف فيه.
ولما كان المراد التقريب لأنه أقعد في التهديد، قال: {غدًا} أي في الزمن الآتي القريب لأن كل ما حقق إتيانه قريب عند نزول العذاب في الدنيا ويوم القيامة، وقراءة ابن عامر وحمزة ورويس عن يعقوب بالخطاب التفات يعلم بغاية الغضب {من الكذاب الأشر} أي الكذب والأشر وهو احتقار الناس والاستكبار على ما أبدوه من الحق مختص به ومقصود عليه لا يتعداه إلى مرميه وذلك بأنهم جعلوا الكذب ديدنه ولم يتعدهم حتى يدعى شيء منه لصالح عليه الصلاة والسلام، فكان الكلام معينًا لهم في الكذب قاصرًا عليهم بسياقه على هذا الوجه المبهم المنصف الذي فيه من روعة القلب وهز النفس ما لا يعلمه حق علمه إلا الله تعالى، وكلما كان الإنسان أسلم طبعًا وأكثر علمًا كان له أعظم ذوقًا.